يعد تتبع انعكاس انتشار وباء (كوفيد19) أمراً في غاية الأهمية للتعرف على التغييرات في الأوضاع الاقتصادية واتجاهات الاستثمار لاسيما للشركات الناشئة وهي الأكثر حساسية للتقلبات الاقتصادية.
وفي هذا الشأن يرصد تقرير مؤسسة "ماجنيت" الجديد الأثار التي أحدثها انتشار وباء كوفيد19 على نشاط الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا للنصف الأول من عام 2020.
حالة تمويل الشركات الناشئة
بالرغم من تداعيات انتشار وباء كوفيد19 السلبية على نشاط الشركات الناشئة إلا ان النصف الأول من عام 2020 شهد زيادة نسبية في صفقات التمويل بنسبة 8% مقارنة بالنصف الأول من عام 2019، فقد وصل حجم صفقات التمويل في الصنف الأول من عام 2020 الى 659 مليون دولارا وهو ما يمثل 95% من اجمالي عمليات التمويل في عام 2019 بالكامل وبنسبة زيادة 35% عن اجمالي حجم التمويل للنصف الأول من عام 2019، ومقابل ارتفاع حجم التمويل مقارنة بالعام السابق إلا ان عدد الاستثمارات للنصف الأول من عام ال2020 عرفت انخفاضاً بنسبة 8% مقارنة بعام 2019 ولنفس الفترة حيث بلغت عدد الاستثمارات 251 استثماراً.
جغرافيا تمويل وصفقات الشركات الناشئة
حافظت مصر على مكانتها في المركز الأول في النصف الأول من عام 2020 مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، إذ حظيت الشركات الناشئة المصرية بربع الصفقات المنعقدة في النصف الأول من العام الجاري والتي بلغت حوالي 63 صفقة وبنسبة نمو 2% عن النصف الأول من عام 2019 وقد تبعها الامارات العربية المتحدة بنفس النسبة لكن بانخفاض طفيف عن النصف الأول من العام الماضي بنسبة 1%.
اما في المركز الثالث فأتت المملكة العربية السعودية ب18% من عدد الصفقات وبنسبة نمو 5% عن النصف الأول من العام الماضي. فيما جاءت اعلى نسبة نمو بعدد الصفقات في سلطنة العُمان حيث بلغت 11% وحتلت السلطنة المرتبة الرابعة بنسبة 12% من اجمالي عدد الصفقات، وقد حلت الأردن في المرتبة الخامسة بنسبة 6% دون ان تحقق نمواً او انخفاضاً بعدد الصفقات التي بلغت 15 صفقة.
ومن الجدير بالذكر هو الانخفاض الكبير الذي شهدته عدد صفقات الشركات الناشئة في لبنان التي هبطت بنسبة 78% مقارنة بالنصف الأول من عام 2019، وهو العام الذي كانت تحتل فيه المرتبة الخامسة بعدد صفقات الشركات الناشئة في المنطقة، وهنا لا يمكن إحالت أسباب انخفاض عدد الصفقات الى انتشار وباء كوفيد19 فحسب بل إن الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي يعيشها لبنان لها الدور الأكبر في تخوف المستثمرين من عقد صفقات واطلاق استثمارات في لبنان.
وعن حجم الصفقات حافظت الامارات على حصة الأسد بنسبة 59% من اجمالي حجم التمويل للشركات الناشئة بأكثر من 388 مليون دولارا للنصف الأول من العام الجاري وبتراجع 3% عن العام السابق ولنفس الفترة.
وفي المركز الثاني جاءت مصر بنسبة 19% من اجمالي حجم التمويل وبمعدل نمو هو الأكبر بين دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا إذ وصل الى 7%، وحلت السعودية في المركز الثالث ب15% من اجمالي حجم التمويل وبمعدل نمو بلغ 5%. ليليها كل من الأردن والكويت بنسبة 2% و1% على التوالي، وبتراجع بالنمو وصل الى 6% في الأردن و2% في الكويت.
وبهذا تكون كل من الامارات ومصر والسعودية تستحوذ على 93% من حجم التمويل و68% من اجمالي عدد صفقات الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
اتجاهات التمويل والصفقات
واصلت الشركات الناشئة العاملة في مجال التكنولوجيا المالية استحواذها على المرتبة الأولى في عدد الصفقات للسنة الثانية على التوالي إذ وصلت نسبة صفقات شركات التكنولوجيا المالية الى 16% من اجمالي عدد صفقات وبنسبة نمو 2% فيما حلت التجارة الإلكترونية بالمرتبة الثانية بنسبة 14% وبتراجع مقداره 1% فيما أتى قطاع التوصيل والنقل بالمرتبة الثالثة وبنسبة نمو هي الأعلى من بين القطاعات الأخرى إذ وصلت الى 4% وحلَّ كل من قطاع تكنولوجيا المعلومات والطعام والمشروبات بالمرتبة الرابعة والخامسة على التوالي بنسبة 6% وبتراجع بالنمو وصل الى 1%.
بخلاف عدد الصفقات فإن توزع حجم التمويل جاء مختلفاً إذ حصد قطاع العقارات حوالي ال24% من اجمالي حجم التمويل وبنسبة نمو وصلت الى 4% كذلك جاء قطاع التجارة الالكترونية في المرتبة الثانية وبنسبة 22% وبمعدل نمو 2%.
بالرغم من تراجع قطاع الطعام والمشروبات من حيث عدد الصفقات إلا انه هذا القطاع احتله المرتبة الثالثة من حيث حجم الصفقات بنسبة 14% وبمعدل نمو هو الأعلى بين القطاعات الأخرى إذ وصل الى 10% اما في المرتبة الرابعة فجاء قطاع النقل والتوصيل بنسبة 9% وبانخفاض بالنمو بنسبة 4% اما المرتبة الخامسة فكانت من حصة قطاع الرعاية الصحية الذي شهدا نمواً بمعدل 3%.
تظهر المعلومات السابقة تبايناً في تركز عدد الصفقات وحجم التمويل ففي حين ان عدد الصفقات تتركز في خمسة قطاعات بنسبة 52% فإن تركز التمويل يصل الى 78% في القطاعات الخمسة الأولى.
أكبر خمسة عمليات تمويل
استحوذت عمليات التمويل الخمسة الأولى على حوالي ال49% من اجمالي في عمليات تمويل الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ثلاثة منها كانت من نصيب شركات ناشئة إمارتية وهي شركة EMPD للإعلان والتسويق التي أتت بالمرتبة الأولى بحجم تمويل وصل الى 150 مليون دولارا، وشركة KITOPI لتوصيل الطعام التي جاءت بالمرتبة الثانية بقيمة تمويل وصلت الى 60 مليون دولار. فيما حلت شركةSellAnyCar.com في المرتبة الخامسة وهي شركة مختصة بخدمات بيع السيارات في الامارات وحصدت تمويلاً مقدار 35 مليون دولارا.
اما شركة Vezeeta المصرية والمختصة بالرعاية الصحية فاحتلت المرتبة الثالثة بحجم تمويل مقداره 40 مليون دولار والمرتبة الرابعة فجاءت الشركة سعودية Jahez لخدمات الحجز وتوصيل الطعام بقيمة 36.5 مليون دولار.
تؤثر الصفقات الكبرى في اتجاهات التمويل كم تلعب دوراً مؤثراً في تقييم حالة قطاعات الشركات الناشئة، فالنمو في حصة تمويل قطاع الرعاية الصحية جاء متأثرا بحصول شركة Vezeeta المصرية على تمويل بقيمة أكثر من 40 مليون دولارا وهي أكبر عملية تمويل لشركة ناشئة في مصر في النصف الأول من العام الجاري.
قيد يهمك أيضاً: تقرير فانتك السعودية: حالة شركات التكنولوجيا المالية والتحديات والفرص التي تواجهها في المملكة
منذ الأيام الأولى لإعلان منظمة الصحة العالمية بأن وباء كوفيد19 أصبح وباء عالمياً وجميع الدول حول العالم تعيش ظروفاً استثنائية لم يسبق لها مثيل، فالقيود على الحركة وضوابط العمل وصولاً الى حظر التجوال والاغلاق الاقتصادي أدت الى حدوث أزمات اجتماعية- اقتصادية لم تكن الشركات الناشئة بمنأى عنها. وفيما تعاملت الكثير من الشركات الناشئة على مبدأ "ردة الفعل" ومحاولة الحد من الخسائر، أظهرت الشركات الناشئة الكندية نموذجاً ريادياً في مواجهة الوباء بمزيج من المبادرات العملية السريعة والاستجابة المجتمعية.
استجابة سريعة ومبادرات عملية
دفعت ظروف انتشار وباء كوفيد19 الشركات الناشئة الكندية لأخذ زمام المبادرة ليس لإنقاذ نفسها من تباطؤ النمو فحسب بل أيضا في مواجهة تداعيات الوباء على المجتمع الكندي. فمنذ الأيام الأولى لإعلان حالة الطوارئ، وبينما العلماء والأطباء منشغلون في إيجاد لقاح والذي قد يستغرق وقتا طويلا وتكاليف عالية، بادرت شركة Cyclica الناشئة باستخدام منصتها الخاصة والقائمة على الذكاء الاصطناعي لتحديد الأدوية المستخدمة بالفعل لعلاج المرضى بفايروس كوفيد19، والمرخص باستخدامها، كما اطلقت الشركة في 30 من مارس/آذار المنصرم مباردة للسماح لأهم العقول الطبية والعلماء والشركات الطبية التي تعمل على محاربة الوباء وتتعرض لعوائق بسبب حالة الاغلاق باستخدام منصة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها بشكل مجاني.
ومن تلك المبادرات المهتمة بالحد من انتشار الوباء ومساعدة المصابين به، مباردة شركة iMerciv الناشئة والتي وظفت خبرتها في مجال الرعاية الصحية، فالشركة كانت قد اطلقت جهاز (BuzzClip)، وهو جهاز يتم ارتداؤه من قبل الأشخاص المصابين بإعاقة بصرية فيحذرهم بالعقبات التي تعترض طريقهم مباشرة، وهو ما ساعد مستخدميه لتحسين حياتهم. وأحسن ما فعتله الشركة في مواجهة كوفيد19 هو اطلاق تطبيق الملاحة للمشاة (MapinHood) وفقاً لتعليمات التباعد الاجتماعي وعمله يأتي بنصح المستخدمين بتجنب الشوارع المزدحمة وتقديم مسارات فردية تبدأ وتنتهي في مكان إقامة الفرد وذلك للحصول على الامدادات (الأغذية والأدوية..) او للقيام بالتمارين الرياضية، كما يقدم التطبيق مزايا اخرى كالتحذير من مخاطر كوفيد19 وأدوات المسح الطوعية للمساعدة في تتبع انتشار الفيروس.
الصحة النفسية أيضا مهمة
شملت تداعيات كوفيد19 الصحة النفسية أيضاً، فإلى جانب الاخبار المأسوية التي تطالعنا بها شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، أدى الوباء لخسارة كثيرين لأحبائهم ووظائفهم بالإضافة الى القيود على الحركة والتنقل والحجر الصحي الطوعي في المنازل، وهي أوضاع كفيلة بالتأثير على الصحة النفسية للأفراد، وهنا نجد نموذجاً للتعاون الحكومي مع الشركات الناشئة، فقد قامت شركة MindBeacon الناشئة والمختصة بتقديم العلاجات النفسية لعملائها عبر الانترنت، وبالتعاون مع حكومة ولاية أونتاريو، بتوفير العلاج مجاناً لأي شخص بحاجة اليه، بالإضافة الى نشر مقاطع فيديو وتقديم الإرشادات النفسية من قبل مختصيها من علماء النفس السريريين. أيضاً قدمت شركة Inkblot التي تعمل على ربط العملاء بالمعالجين والأطباء النفسيين، بالاستجابة لتداعيات الوباء، فقد تنازلت الشركة عن الرسوم المستخدمة في مجال دعم الصحة العقلية لموظفيها، وأيضا للأطباء ممن يستخدمون أدوات الشركة للوصول الى مرضاهم، كما وفرت جلسات تأملية جماعية مجانية.
استخدام الذكاء الاصطناعي للاستجابة الاغاثية
قامت الحكومة الفيدرالية الكندية بجهود اغاثية غير مسبوقة لمساعدة الافراد والشركات الأكثر تضررا في ظل الانكماش الاقتصادي الذي تسبب به الوباء، لكن الحصول على هذه المساعدات يمثل تحدياً لاسيما للشركات، واستجابة لذلك اطلقت شركة Blue J Legal وهي شركة ناشئة مختصة بالتنبؤ بنتائج المحاكمات عبر استخدام الذكاء الاصطناعي، اطلقت أداتها الجديدة (covid19) والتي تساعد الشركات والافراد للحصول على البرامج والاعتمادات التي يمكن ان يستفيدوا منها كما تساعدهم على اتخاذ القرارات ذات الصلة، وتوفر روابط مباشرة لتحديد معلومات الاتصال وآلية تقديم الطلب على المساعدة.
استجابة إنسانية للأشخاص الأكثر تضرراً
تصغر مشكلتناً ومخاوفنا المتعلقة بكوفيد19 امام الجهود العظيمة والمخاطر المحدقة التي يتعرض لها العاملون في مجال الرعاية الصحية في محاربتهم لهذا الوباء، وهنا نجد مبادرة شركة ResQ الناشئة والمختصة في صيانة المطاعم، والتي قامت بجمع التبرعات لشراء وجبات الطعام من المطاعم المحلية وتقديمها مجانا للعاملين في مجال الرعاية الصحية وكذلك المرضى، كما قدمت فرصة لتعيين العامليين في مجال توصيل الطعام الذين فقد الكثير منهم وظائفهم.
وفي سياق دعم العاملين المتضريين قامت شركة Hyr الناشئة وهي شركة وسيطة تقوم بربط أصحاب العمل والعاملين المحترفين، حيث تنازلت عن جميع رسومها للشركات والمستقلين، كذلك عملت على ربط المطاعم والمنظمات غير الربحية والجمعيات الخيرية بالمتطوعين مجاناً.
في الحقيقة قدمت الشركات الناشئة الكندية نماذج كثيرة في سرعة المبادرة والاستجابة العملية والمنظمة بالإضافة الى العمل الإنساني والمجتمعي في مواجهة وباء كوفيد19 أكثر مما يتسع له هذا المقال، لكنها تتشارك جميعا في توظيف التكنولوجيا والاعمال التي كانت تنشط بها قبل انتشار الوباء والمبادرة للقيام بالأعمال الإنسانية، وهو ما سوف يعود عليها بالفائدة مستقبلاً، فمن جهة كشفت عن قدراتها الخاصة في التكيف وقدمت أدوات جديدة سوف يكون لها استخدامات أخرى في المستقبل، ومن جهة أخرى كسبت عملاء جدد عن طريق تجربة خدماتها وحسنت من صورتها امام العملاء الحاليين والمحتملين، وهو ما سوف يعود عليها بمكاسب مستقبلية تفوق ما يمكن ان يجلبه لها أكبر الحملات التسويقية.
(English)
أصدرت مؤسسة ومضة وموقع عرب نت بتاريخ 18 مايو/أيار الجاري تقريرا ًخاصاً بعنوان " أثر تفشي وباء كوفيد19 في نظام بيئة ريادة الأعمال في الشرق الأوسط وشمال افريقيا" الذي يسلط الضوء على أوضاع الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا في ظل انتشار جائحة كورونا في الإقليم والعالم، ويهدف التقرير إلى التعرف على مدى تأثير كوفيد19 على قطاع ريادة الأعمال في المنطقة والتدابير التي يمكن اتخاذها للتخفيف من الضغوط المالية على الشركات الناشئة.
يعرض التقرير في مقدمته أوضاع الاقتصاد الكلي في المنطقة العربية، مُشيراً إلى الانعكاسات السلبية لكل من انخفاض أسعار النفط الذي أدى إلى اهتزازات كبيرة في اقتصاديات الدول العربية المنتجة للنفط، والأزمة الاقتصادية المتفاقمة في لبنان، وارتفاع الأسعار في مصر وزيادة قيمة الضريبة المضافة في المملكة العربية السعودية.
تؤدي الأوضاع المشار إليها إلى الدفع باتجاه احتضان الاقتصاد الرقمي من أجل استمرار النمو الاقتصادي، وبالنسبة للشركات الناشئة في المنطقة فإما أن يكون الوضع كارثياً أو محفزاً للنمو على حد تعبير معدي التقرير، نستكمل فيما يأتي قراءتنا لأهم ما جاء في التقرير عبر استعراض أهم محاوره.
أين تقع الشركات الناشئة؟
مازالت الإمارات العربية المتحدة في مقدمة الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في احتضان الشركات الناشئة ورواد الأعمال الجدد، فتقع في الإمارات مراكز ل24% من الشركات الناشئة في المنطقة، يليها لبنان الذي ازداد فيه نمو الشركات الناشئة والتي وصلت نسبتها إلى حوالي 18% من إجمالي الشركات الناشئة في المنطقة، يليه كل من السعودية ومصر بنسبة 14.7% و13.1% على التوالي، فيما يأتي كل من العراق واليمن في المرتبة الأخيرة بنسبة 0.4% لكل منهما.
ماهي القطاعات التي تنشط بها الشركات الناشئة؟
لعل أبرز انعكاسات انتشار وباء كوفيد19 على عالم الأعمال هو الأثر في بنية النشاط الاقتصادي، بمعنى انسداد آفاق العمل مؤقتاً أمام النشاطات الاقتصادية بسبب نقص الطلب عليها، وانفتاح الأفق أمام مجالات أخرى كانت أقل نشاطاً قبل انتشار وباء كوفيد19، ملامح هذه التغييرات لن تطول قبل أن تطفو على السطح، وفي هذا الشأن تظهر البيانات أن ما نسبته 6.5% من الشركات الناشئة الناشطة في شرق الأوسط وشمال افريقيا تعمل في مجال الرعاية الطبية الرقمية، و6.9% منها تعمل في التعلم الرقمي وهما القطاعان اللذان شهِدا نمواً كبيراً في الطلب منذ انتشار الوباء أوائل العام الجاري، كما تظهر البيانات ارتفاعاً في قطاع الحلول البرمجية حيث احتل الأخير نسبة 13.5% ليكون بذلك أكبر القطاعات التي تنشط بها الشركات الناشئة في المنطقة، يليه التجارة الإلكترونية بنسبة 11% وهو القطاع الذي لطالما احتل مكانة الصدارة في أعداد الشركات الناشئة في المنطقة العربية في السنوات الأخيرة الفائتة، أما في المرتبة الثالثة فجاء قطاع تكنولوجيا الحلول المالية بنسبة 9.4% وهو القطاع الذي من المتوقع له أن ينمو أكثر في السنوات القليلة المقبلة.
مراحل تطور الشركات الناشئة
عن دورة حياة التمويل للشركات الناشئة الناشطة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا جاءت المرحلة الأولى والمعروفة اصطلاحاً بمرحلة البذرة ( (Seedبنسبة 31.4% وهي النسبة الأعلى لحالة التمويل في الشركات الناشئة في المنطقة يليها مرحلة التمويل الأولية بنسبة 29%، ثم جولة التمويل الأولى بنسبة 18% يليها جولتي التمويل الثانية والثالثة بنسبة 4.5% و2.4% على التوالي، فيما كانت حصة التمويل عن طريق المستثمرين الملائكة حوالي ال14.7% وهذه نسبة تشير إلى إمكانية دفع مشاريع ناشئة أكثر إلى مرحلة الجولة الأولى من التمويل وبالتالي تكبير حجم تمويلها ووقوفها على أرضية أكثر ثباتاً في الأسواق.
تأثير الوباء على الشركات الناشئة
أجبر انتشار وباء كوفيد19 الناس على المكوث في منازلهم مما سبب ضرراً مباشراً لقطاع السفر والنقل. حيث علقت ثلث الشركات الناشطة في قطاع النقل بالمنطقة نشاطها وشهدت إيراداتها انخفاضاً تراوح ما بين ال 75 إلى 100%، فيما توقفت 25% من الشركات الناشئة في قطاع السفر بشكل كامل، و50% منها تعلق أعمالها حالياً.
وبشكل عام أدت حالة الإغلاق وعدم اليقين والنظرة السلبية للتوقعات الاقتصادية إلى التأثير بشكل سلبي على 71% من الشركات الناشئة حيث علق 22% منها نشاطها. و21% تشهد انخفاضاً في الطلب مما أدى إلى حدوث خسائر كبيرة.
بالمقابل فإن معظم الشركات الناشئة في مجال خدمات التوصل (المتاجر الإلكترونية)، والتعليم الرقمي، والصحة الرقمية شهدت ارتفاعاً كبيراً في الطلب على خدماتها مما انعكس إيجابياً على إيراداتها، وتحديداً في قطاع المتاجر الإلكترونية.
تمويل الشركات الناشئة في ظل الوباء
لقد كان لانتشار وباء كوفيد19 انعكاساً على أسعار النفط بالهبوط الأمر الذي انعكس بدوره على إمكانية التمويل للشركات الناشئة، حيث أن معظم عمليات التمويل تأتي من الدول العربية المنتجة للنفط لاسيما الإمارات والسعودية اللتان تأثرتان بانخفاض أسعار النفط.
أدى ضغط إمكانيات التمويل إلى تعريض معظم الشركات الناشئة لمخاطر إدارة النقد، وعن تأثير الوباء على جولات التمويل انقسمت إجابات المشاركين في الاستبيان بالآتي:
49.6% قالوا بأن الوباء قد أثر في جولاتهم التمويلية من بينهم 44% قالوا بأن جولاتهم التمويلية إما توقفت أو أُلغيت، بالمقابل قال 9.8% من المشاركين بأن البيئة الاستثمارية الخاصة بهم قد تحسنت، و11.1% قالوا بأن جولاتهم التمويلية لم تتأثر بالوباء، فيما قال 29.5% أنهم لا يبحثون عن التمويل لذلك فهم لم يتأثروا من الناحية التمويلية بالوباء.
وفي الإجابة عن سؤال حول ما إذا كان المستثمرين منخرطين في العمل اليومي ويساعدونهم في أعمالهم، كانت الإجابات كالآتي: 38.4 غير متأكد من الإجابة، 37.1% لا، و24.5% فقط أجابوا بنعم.
استجابة الشركات الناشئة للوباء
في هذا المحور من التقرير يتم التطرق إلى الكيفية التي استجابت بها الشركات الناشئة لانتشار الوباء، حيث بادر مؤسسو الشركات الناشئة إلى إجراء تغييرات سريعة في الأولويات إذ وضعت المناقشات حول كيفية التوسع والنمو جانباً لصالح تحديد الأولويات لتطوير المنتجات وتكييف بيئة العمل والحفاظ على استمرارية عمل الشركة.
وفي السؤال عن كيفية الاستجابة للوباء، تركزت معظم الإجابات حول عدد من الخيارات أهمها تغيير بيئة العمل لتصبح عن بعد حيث أن ثلثي المستجيبين تقريباً قالوا أنهم نقلوا العمل إلى المنازل كأحد أشكال الاستجابة للوباء، كما حظي خيار تأجيل خطط التوسع وتخفيض الأسعار وتقديم العروض على نسبة كبيرة من الإجراءات التي تم اتباعها، والعمل بنموذج جديد، بالمقابل فإن عدد منهم قد أخذ خيار تخفيض أعداد العمال وتخفيض الأجور وتقليل ساعات العمل، فيما كانت لشركات أخرى استجابة أكثر إيجابية من حيث القدرة على التكيف والتفكير باستغلال الأوضاع لإطلاق حملات تسويق جديدة وتأسيس شراكات جديدة مع موردين ومنافسين وتعيين موظفين جدد كجزء من الاستجابة للوباء بالإضافة الى إجراءات أخرى.
عند توجه معدي التقرير للمؤسسين بالسؤال عن نوع الدعم الذي يمكن أن يساعدهم في استمرار أعمال شركاتهم، فإننا نجد أن الإجابات قد تركزت بأكثر من نصف في الرغبة بالحصول على استثمارات أو منح جديدة كما أبدى المؤسسون ممن شملهم الاستبيان رغبتهم بالحصول على الاستثمار أو القروض أو التنازل عن الفواتير، لغرض دعم بيئة العمل البيئي للشركات الناشئة في المنطقة.
يستكمل التقرير عرضه في محورين هما القطاعات المتضررة والتركيز على الدول الذي يناقش فيه أوضاع ثلاثة دول هي الإمارات والسعودية ومصر، إلا أننا سوف نكتفي بهذا القدر ويمكن للقارئ العودة إلى المصدر لتحميل التقرير كاملاً.
لكن يبقى أن نشير إلى ثلاثة نقاط عامة في ختام هذه القراءة لتقرير " أثر تفشي وباء كوفيد19 على نظام بيئة ريادة الأعمال في الشرق الأوسط وشمال افريقيا "
أول نقطة متعلقة بالنظرة التشائمة المبالغ بها في توقعات الاقتصاد الكلي، والتي انساق وراءها الكثير من وسائل الاعلام والمحليين الاقتصادين، وهي توقعات يستفيد منها المشترين لشركات قد تعرضت لخسائر كبيرة خلال فترة انتشار الوباء وقررت الاستسلام وبيع أسهمها لصالح شركات كبرى وبسعر منخفض جداً.
إن التوقعات السلبية لمستقبل النمو الاقتصادي في العالم تعتمد على معطيات غير متكاملة كانخفاض أسعار النفط، والتي اعتبرها البعض أنها حالة سوف تستمر وأنها سوف تهدد الاقتصاد العالمي ككل بالانهيار، إلا أن أسعار النفط عادت للارتفاع منذ مطلع الشهر الحالي ووصلت إلى 35 دولاراً للبرميل في 20 من مايو الجاري، بعد اتفاق منتجي النفط على تخفيض الإنتاج وإعادة اقتصادية كبرى للتخفيف من حالة الإغلاق كما حدث في الصين وفي دول اوروبية مؤخراً، أما النقطة الثانية فترتبط بالنمو الحاصل في قطاعات اقتصادية متنوعة كقطاع الأدوية والمستلزمات الطبية وقطاع البرمجيات بما يملكه من قدرات للتحفيز الأمامي والخلفي لقطاعات أخرى كالقطاع التعليمي وقطاع إنتاج الإلكترونيات وغيرها من القطاعات أي أن هنالك مطارح استثمارية أخرى حظيت بتوسع مقابل تراجع أخرى كما أنه يوجد قطاعات اقتصادية من المتوقع أن يكون لها موقعاً ريادياً في المستقبل لقيادة النمو الاقتصادي محفزة بإنجازات الثورة الصناعية الرابعة.
ثالثاً وأخيراً أن الشركات الناشئة في المنطقة تقوم على أرض خصبة مليئة بالفرص الاستثمارية تضعف فيها المنافسة وتلقى فيها الشركات الناشئة تشجيعاً من الحكومات المحلية. كل ذلك يؤدي بنا إلى الاستنتاج بأن حالة الانعكاسات السلبية للأوضاع الناشئة بسبب انتشار وباء كوفيد19 هي تشكل في نفس الوقت فرصة يمكن استغلالها وتجربة يمكن التعلم منها كيفية التأقلم مع الأوضاع غير الاعتيادية التي تترافق مع انخفاض التمويل وضعف الطلب وتقلبات الأسواق، أي الاستفادة من تجربة إدارة الأزمات بالتعلم من الشركات الناشئة التي استطاعت الحفاظ على استمرارية عملها وأُخرى نمت وتوسعت.
أعد اتحاد الغرف الخليجية تقريرا يوصي بإيجاد آلية بين القطاعين العام والخاص للرصد والمتابعة على مستوى كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي. ويوضح أهم مصادر التأثير الاقتصادي العالمي على القطاع الخاص الخليجي في ظل أزمة كورونا.
اتحاد الغرف الخليجية -17مايو 2020: خلص تقرير أعدته الأمانة العامة لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي حول "تداعيات تفشي وباء كورونا على انشطة القطاع الخاص الخليجي" أن الحكومات الخليجية بادرت إلى اتخاذ حزمة من إجراءات الدعم المالي والاقتصادي الفاعلة والتي واكبت في أهدافها ونطاقها كافة الحزم الاحتوائية والانقادية التي أعلنت عنها دول العالم، وخاصة الدول المتقدمة، مما أسهم بشكل فاعل في حماية الاقتصاد، والعمالة وانشطة القطاع الخاص، ولاسيما أصحاب المهن والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من تداعيات تفشي الوباء إلى حد كبير خلال الفترة الراهنة.
ولفت التقرير إلى أن تفشي وباء كورونا له انعكاسات تختلف عن التداعيات التي تنجم عادة عن الأزمات المالية والاقتصادية التي شهدها العالم خلال العقود الماضية، وكان آخرها الأزمة العالمية عام 2008م، من حيث اتساع رقعت تأثيرها وطبيعة هذا التأثير وطول أمده مما يتوجب معه عدم اكتفاء الحكومات في العالم، بما في ذلك الحكومات الخليجية، بما تم اتخاذه حتى الآن. لذلك، قد يستدعي الأمر التدخل بمزيد من التدابير التي تفرضها طبيعة التداعيات الخاصة من جراء الوباء. كما أن الإجراءات المتخذة في الوقت الحاضر قد تتطلب المراجعة والتحديث والتطوير في كل مرحلة من مراحل الوباء.
لذلك، فقد أوصى التقرير بإيجاد آلية منسقة بين القطاعين العام والخاص للرصد والمتابعة على كل من مستوى كل دولة خليجية وعلى مستوى مجلس التعاون الخليجي ككل تنصب أهدافها على العمل و مراجعة كافة الإجراءات والخطوات المتخذة لدعم منشآت القطاع الخاص بصورة مستمرة والتقدم بالتوصيات اللازمة للعمل على تحديثها وتطويرها وفقا لمراحل انتشار الفايروس وتداعياته. كذلك وضع المقترحات لمرحلة الخروج من مرحلة مكافحة الفايروس إلى مرحلة الانعاش لمنشآت القطاع الخاص وما هي الإجراءات المطلوبة وفقا لنوع النشاط وحجم المنشأة.
وقد تناولت مقدمة التقرير تداعيات فايروس كورونا على الاقتصاد العالمي، حيث من المتوقع أن يشهد الاقتصاد العالمي انكماشا حادا بواقع -3% في عام 2020م، وهو أسوأ بكثير مما ترتب على الأزمة المالية العالمية في 2008م – 2009م. وفي أحد السيناريوهات الأساسية، الذي يفترض انحسار الجائحة في النصف الثاني من عام 2020م وإمكانية تخفيف جهود الاحتواء بالتدريج، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بمعدل 5,8% في 2021م مع عودة النشاط الاقتصادي إلى طبيعته، بمساعدة الدعم المقدم من متخذي السياسات الاقتصادية.
كما كرس التقرير فصل خاص لدراسة تداعيات تفشي وباء كورونا على الاقتصاديات الخليجية، حيث تبين آخر التقديرات الدولية إلى تعرض دول مجلس التعاون، كغيرها من بلدان العالم، إلى اضطراب اقتصادي كبير من خلال صدمات العرض والطلب المتزامنة. ومما فاقم من الآثار السلبية هو هبوط أسعار النفط بأكثر من 60% خاصة بعد عدم اتفاق اوبك بلس على تخفيض الإنتاج في بداية الأزمة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يكون الأثر الاقتصادي لتفشي وباء كورونا بالغا على اقتصاديات دول التعاون، حيث ستشهد انكماشا بنسبة 2.7% في العام 2020م. كما سوف تتعرض دول التعاون لصدمة مزدوجة تتمثل في انخفاض الطلب العالمي على النفط وانخفاض أسعاره، حيث يتوقع الصندوق تراجع الصادرات النفطية بأكثر من 250 مليار دولار في أنحاء المنطقة. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تتحول أرصدة المالية العامة إلى السالب، متجاوزة 10% من إجمالي الناتج المحلي في معظم البلدان.
في المرحلة القادمة، وبعد الانحسار التدريجي للوباء، ينبغي أن يتمثل الهدف المنشود في وضع الاقتصاد الخليجي على مسار تحقيق النمو المستدام: وسيتطلب هذا استعادة الثقة، عن طريق توفير دعم واسع النطاق على مستوى المالية العامة والسياسة النقدية حيثما توافر الحيز اللازم. كما لا ينبغي إلغاء هذا الدعم إلا إذا كان الاقتصاد ماضيا بالفعل على مسار التعافي. ويدعم قدرة دول التعاون في تطبيق خطط انعاشية شاملة بعد انحسار وباء كورونا امتلاكها احتياطيات مالية تقدر بنحو تريليوني دولار.
ثم انتقل التقرير لتحليل تداعيات تفشي مرض كورونا على القطاع الخاص الخليجي، حيث تناول في البداية أهم مؤشرات دور القطاع الخاص في التنمية على صعيد الناتج المحلي الاجمالي والانفاق القومي والصادرات السلعية والتوظيف، حيث يتضح أن الاقتصاد الخليجي وخاصة خلال السنوات الماضية بعد تراجع أسعار النفط بات يعتمد بصورة متزايدة على القطاعات غير النفطية كمحرك للنمو، حيث يبلغ متوسط مساهمتها في الناتج الإجمالي نحو 73.6% عام 2018م، وهي تعكس نجاح خطط الحكومات الخليجية في برامج التنويع الاقتصادي والمشاركة المتزايدة للقطاع الخاص في التنمية. وما قبل أزمة كورونا، كان القطاع الخاص الخليجي يسعى للعب دور أكبر في المرحلة المقبلة في ظل التوجهات الحالية للحكومات الخليجية الرامية إلى تفعيل الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص لتنفيذ البرامج التنموية والاقتصادية استنادا إلى رؤى التنمية الطويلة الأجل التي تنفذها.
ثم تناول التقرير بالتحليل مصادر التأثير الاقتصادي العالمية على القطاع الخاص الخليجي في ظل أزمة كورونا، واهمها أسعار النفط وتراجع النشاط الاقتصادي العالمي والتجارة العالمية وحجم العلاقة مع الصين و بيئة الاستثمار وفرص الأعمال والبورصات العالمية وسلسلة إمدادات السلع والخدمات وأسعار الفائدة والدولار الأمريكي، حيث اتضح من عرض هذه العوامل أن مصادر التأثير العالمية على انشطة القطاع الخاص الخليجي ترتبط ارتباطا وثيقا بالاقتصاد الخليجي ككل، الذي يعتمد اعتمادا كبيرا على الإيرادات النفطية، وتجارته مع العالم، وخاصة الصين، وكذلك ارتباط عملاته بالدولار الأمريكي وبسعر الفائدة الأمريكية، مما يولد عليه نفس الضغوط التي يتعرض لها الاقتصاد الخليجي ككل.
كما عرض التقرير بصورة مفصلة المبادرات التي اتخذتها الحكومات الخليجية لدعم الاقتصاديات الخليجية والعمالة، وانشطة القطاع الخاص، ولا سيما الأنشطة الأكثر تضررا، مشيدة بشمولية هذه المبادرات ومساهماتها الفاعلة في حماية القطاع الخاص بصورة كبيرة من تداعيات تفشي وباء كورونا، وتوفير حماية كبيرة للعمالة، ومكنت القطاع الخاص من مواصلة تقديم خدماته الأساسية، وهو بدوره ساهم في استدامة حماية المجتمع من تداعيات تفشي الوباء.
وقد كرس التقرير جانب كبير منه لتحليل تداعيات تفشي وباء كورونا على أنشطة القطاع الخاص، حيث تناول كل على حدة 15 قطاع ونشاط هي الصناعة والاستيراد والتصدير والبنوك والمؤسسات المالية والبورصات الخليجية والسفر والسياحة والمؤتمرات والفنادق والغذاء والخدمات اللوجستية والعقار والتطوير العقاري والتوظيف والعمالة الوافدة والتجارة الالكترونية وتجارة التجزئة وقطاع الخدمات والرعاية الصحية وقطاع التعليم الخاص وصناعة الترفيه المنزلي، حيث خرج التقرير بنتائج أولية أن معظم أنشطة القطاع الخاص تأثرت سلبا بتفشي هذا الوباء، وهذه مسألة طبيعية، وذلك بسبب توقف عجلة الإنتاج والخدمات على مختلف أنواعها بسبب إجراءات الحظر الاجتماعي والاقتصادي، حيث اعطيت الأولوية للحفاظ على أرواح البشر. لكن من اللافت أيضا أن تفشي الوباء خلق أنماط مختلفة من السلوك الاستهلاكي لدى الفرد، كما حفز الطلب على خدمات معينة واكبت نمط الاستهلاك ونمط حياة التباعد الاجتماعي، مما جعل بعض الأنشطة تستفيد من الأزمة مثل التجارة الالكترونية والتسوق عبر البوابات الالكترونية وتجارة الأغذية والتعليم عن بعد وتقديم الخدمات الصحية عن بعد وكذلك صناعات المعقمات والرعاية الصحية والأدوية وصناعة الترفيه العائلي.
ونوه التقرير إلى أن القطاع الخاص الخليجي بات يواجه في الوقت الراهن تحديات غير مسبوقة في تاريخه ويجب التصدي لها ومعالجتها بدرجة عالية من المسئولية والشمولية وبما يحافظ على محورية دوره في الاستدامة الاقتصادية، وأن أي ضرر يلحق بهذا الدور سيولد أضرار كثيرة للاقتصاد الخليجي ككل. لذلك لا بد من متابعة دراسة تداعيات تفشي وباء كورونا على القطاع الخاص الخليجي خلال المرحلة المقبلة، خاصة أن الأزمة لا تزال مستمرة، وابعاد التداعيات لا تزال قيد التبلور وبحاجة إلى تكاتف كافة جهود الجهات الرسمية مع القطاع الخاص من أجل العمل سوية لوضع الحلول المناسبة لمواجهتها، وإعادة الاقتصاد إلى مساره السليم.
بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر لظهور فايروس كورونا في العالم لم يعد الحديث عن ارتفاع الطلب على منتجات الاقتصاد الرقمي أمراً تنبئياً، بل أصبح واقعاً، فأسهم الشركات الصينية العاملة في مجال الألعاب على الانترنت، وخدمات الصحة الرقمية، والعمل عن بعد والتعلم عن بعد حلقت في بورصة "هونغ كونك" في النصف الأول من شهر فبراير/ شباط الماضي، ومازالت حتى تاريخ كتابة هذه السطور تحقق مكاسب ضخمة.
ليست الشركات الصينية النشطة في الاقتصاد الرقمي وحدها من حققت مكاسب بل سرعان ما ارتفعت أسهم الشركات الرقمية في جميع أنحاء العالم، كل ذلك يمر بهدوء على نشرات الأخبار العالمية في ظل الأخبار الأكثر سوداوية والتي تجلب معها حالة "هلع" غير مبررة والتي تحد من قدرة أصحاب الشركات الناشئة والأعمال الصغيرة على التفكير بإمكانية التكيف واستغلال الفرص لإيجاد حلول وبدائل توائم الظرف الراهن، والمؤقت.
أدت حالة الحجر الصحي المنزلي إلى ضرورة البحث عن بدائل للحصول على سلة من الخدمات التي لا يمكن توفيرها إلا عبر تطبيقات الهواتف الذكية ومنصات الانترنت، هكذا فسرا خبراء اقتصاديون الأسباب التي أدت إلى نمو مكاسب الشركات الرقمية وهي تبدو أسباب بسيطة وواضحة، لكن، وبما أن وباء كورونا ليس نهاية العالم، فإن الحالة الاضطرارية سوف تنتفي بمجرد رفع حالة الطوارئ الصحية، وهو ما بدأ يحدث بشكل تدريجي في الصين، فالحياة في اقليم خوبي الصيني (الذي كان مركزاً لانتشار وباء كورونا) بدأت تعود الى طبيعتها، فهل يعني هذا أن الأسواق سوف تصحح نفسها بعد أشهر، وفي أبعد تقدير سنة؟ إذ كان الحديث عن شركات التجهيزات والألبسة الطبية، فالفرضية الأكثر ترجيحاً هي أن ينخفض الطلب على منتجاتها، مع انحسار انتشار الفيروس، أما بشأن الشركات الرقمية فمن المرجح أن تشهد استمراراً في نموها، يمكن اعتماد هذه الفرضية انطلاقاً من ثلاثة عوامل رئيسية:
أولاً: نمو الخدمات عبر الانترنت غير تقليدية
ظهرت خلال الفترة الماضية مجموعة من الخدمات عبر الانترنت لم تكن موجودة من قبل وأخرى لم تكن شائعة في الأسواق الأقل استهلاكاً للخدمات الرقمية ومن تلك الخدمات ما تقدمه شركة بيلوتون لدراجات التدريب المنزلية والتي تملك ميزة التواصل مع متدربين آخرين عبر شبكة الانترنت حيث ارتفع الطلب على هذه الخدمة بأكثر من 50% خلال فترة قياسية، كذلك الخدمة التي اطلقتها شركة Netflix كبديل عن المشاهدة الجماعية في صالات السينما التي أغلقت أبوابها، يمكن أن نلاحظ أيضاً نمواً هائلاً في الخدمات الطبية عن بعد وفي هذا الشأن ترى سارة ويلسون المديرة التنفيذية في NHS Digital (مركز معلومات الرعاية الصحية والاجتماعية) "بأن فايروس كورونا سوف يدفع الناس نحو الرقمنة بوتيرة سريعة، الأمر الذي سيؤدي إلى التحول في بيئة القطاع الصحي ليصبح أكثر رقمنة". قد تكون الرعاية الصحية عن بعد في عدد من الدول، لاسيما الغربية، ليست بجديدة فالولايات المتحدة مثلاً متقدمة بالفعل في عملية التحول الرقمي في مجال الرعاية الصحية، لكن المتغير الحالي هو سرعة وشمولية هذا التحول، ودخول مفهوم الرعاية الصحية الرقمية إلى أسواق جديدة، كالأسواق العربية التي مازالت فيها الرعاية الصحية عن بعد خدمة غير تقليدية.
ثانياً: الاستثمار في التحول الرقمي
بالرغم من إجراءات التحول الرقمي التي قامت بها الكثير من الشركات حول العالم إلا أن الغالبية العظمى من الشركات مازالت تعتمد على بيئة العمل التقليدي، والتي تفتقر إلى المرونة الكافية للاستمرار في العمل في ظل الظروف الراهنة، الأمر الذي يجبرها على تسريع عملية التحول الرقمي كنقل أعمال موظفيها إلى المنازل واعتماد تكنولوجيا الحوسبة السحابية، وتقنيات الاجتماعات عن بعد واعتماد المتاجر الإلكترونية والتسويق الرقمي لبيع منتجاتها، وغيرها الكثير من إجراءات التحول الرقمي التي اضطرت الشركات لتنفيذها في سبيل استمرار أعمالها، وبطبيعة الأحوال تلك العمليات ليس مجانية، فهي تتطلب من الشركات نفقات باهظة، تقدم لنا الجامعات في استراليا مثالاً عن ذلك : فلقد أجبرت العديد من الجامعات التي تستقبل الطلاب الدوليين القادمين من الصين على تجهيز منشآتها وكوادرها لإطلاق برامج التعليم عن بعد للطلاب الدوليين الذي اضطرتهم الظروف للعودة إلى بلادهم، وبفعل هذا الاستثمار السريع في التحول الرقمي لا يمكن للشركات بعد انحسار وباء كورونا أن تتخلى عن تلك الاستثمارات التي أنفقتها عليها، بل سوف تظل متمسكة بها، وهو ما يرجح أيضاً من فرضية استمرار نمو منتجات الشركات الرقمية في المستقبل.
ثالثاً: تجربة تغيير بيئة العمل والاستهلاك
يرتبط عامل التجربة بالعاملين السابقين، فاكتشاف الشركات لمزايا بيئة الأعمال الرقمية، سوف يدفعها للاستمرار في تطوير نموذج العمل الرقمي والتخلي عن العديد من أدوات العمل التقليدية، أما على صعيد الاستهلاك، وهو الأهم، فتتجلى من خلال تغيير سلوك المستهلكين فالملايين من المستهلكين لم يكن لديهم أي تجربة أو تعامل سابق مع منتجات الشركات الرقمية، كالتعلم والطب عن بعد، وخدمات التوصيل والمنتجات الإلكترونية وغيرها، إن خوض مستهلكين جدد تجربة الاستهلاك عبر الانترنت سوف يمكن الشركات الرقمية من تعزيز قاعدة عملائها، "فاقتصاد الحجر الصحي" كما بات يطلق عليه في الصين سوف ينمي عادات استهلاكية جديدة فالأشخاص الذين يضطرون اليوم لهذه التجربة قد يتحولون إلى عملاء دائمين في المستقبل.
على الرغم من الأخبار المتشائمة حول تباطؤ النمو العالمي تظهر التجربة الصينية حتى الآن إشارات مختلفة، فبعد انحسار وباء كورونا في الصين، تشهد المحال التجارية في الصين ارتفاعاً في حجم مبيعاتها والتي تجاوزت المستويات المسجلة في نفس الفترة من العام الماضي، وهو مؤشر جيد حول إمكانية تصحيح الأسواق لنفسها في الفترة التي ستلي انتهاء حالة الطوارئ الصحية، كما تفيد التجربة الصينية بأن الشركات التي تجيد التأقلم في الوقت الحالي عبر التحول الرقمي سوف تحقق مكاسب مستقبلية من خلال استغلال حالة "الطلب المكبوت" على المنتجات التي سببها الحجر الصحي.