شهد العالم في السنوات القليلة الماضية نموا سريعاً في عملية التحول الرقمي تقوده الشركات الكبرى والحكومات إذ ان عملية التحول الرقمي لم تعد فقط سباقا نحو الريادة في تقديم الخدمات الأفضل للزبائن بل أضحت ضرورة في الكثير من الأحيان، ولم تكن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا استثناء من ذلك لاسيما في دول الخليج حيث اطلقت الحكومات الخليجية وغيرها من الحكومات العربية في المنطقة استراتيجياتها الخاصة لأحداث عملية التحول الرقمي وقد كان لقطاع التكنولوجيا الرقمية الحصة الأكبر من عملية التحول الرقمي لما يمتلك هذا القطاع من خصوصية تميزه عن غيره من القطاعات، وذلك لجهة ارتباط السوق المالية بالسوق العالمية وما يفرضه ذلك من مواكبة لأخر التطورات التكنولوجية في هذا القطاع.
رافقت عمليات التحول الرقمي نمو غير مسبوق للشركات الناشئة المختصة في مجال التكنولوجيا المالية والتي تشمل خدمات المدفوعات والخدمات المصرفية والاستشارات المالية، وأسواق راس المال والتأمين، كما تسارعت وتيرة النمو في تنفيذ وتبني تطبيقات التكنولوجيا المالية عبر توظيف الذكاء الاصطناعي، والخدمات السحابية والبلوكتشين ليعاد بذلك رسم مشهد الخدمات المالية.
نقدم في هذا المقال عرضاً موجزاً لتقرير "مشاريع التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا" الصادر عن مؤسسة ماغنيت (MAGNiTT) بالتعاون مع سوق أبو ظبي العالمي، عبر استعراضنا لمحاوره الرئيسية.
أولاً: اتجاهات الاستثمار في قطاع التكنولوجيا المالية
بلغت معدلات النمو السنوي في عدد شركات التكنولوجيا المالية الناشئة حوالي 39% منذ العام 2015 منها 51 شركة أطلقت في عام 2019، كما بلغت قيمة الاستثمارات في شركات التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا منذ العام 2015 نحو 237 مليون دولار نفذت عبر 181 صفقة ليبلغ متوسط قيمة الصفقات ما بين عامي 2015 و2019 حوالي 1.8 مليون دولار، وبنسبة 7% من اجمالي التمويل للمشاريع الناشئة في المنطقة لنفس المدة.
ومقارنة بباقي القطاعات الرئيسية التي تنشط فيها الشركات الناشئة، ظلت المؤشرات تفيد بسيطرة قطاع التجارة الالكترونية على نشاط الشركات الناشئة وعلى كافة المستويات، وبالرغم من ان الحديث مازال صحيحاً عن سيطرة قطاع التجارة الالكترونية على مستوى الشركات الناشئة إلا انه من الصحيح أيضا ان هذا القطاع يشهد اشباعا في السوق لذلك بدءنا نرى في الآونة الأخيرة تزايد في عدد الصفقات وقيم التمويل في قطاعات أخرى واهمها قطاع التكنولوجيا المالية حيث تفوق هذا القطاع على قطاع التجارة الالكترونية وباقي القطاعات في عدد الصفقات المبرمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في عامي 2018-2019 حتى تاريخه، ولكن ما تزال قيمة التمويلات لقطاع التكنولوجيا المالية منخفضة بالنظر الى ان الاستثمارات ماتزال في مراحلها المبكرة، أي اننا قد نرى في السنوات القليلة المقبلة تحول قطاع التكنولوجيا المالية الى مركز الصدارة بين القطاعات الاخرى ليس من حيث عدد الصفقات فحسب بل وبقيم التمويل أيضا.
بالأرقام بلغ عدد صفقات التكنولوجيا المالية من عام 2018 وحتى تاريخ اعداد التقرير 97 صفقة فيما جاء قطاع التجارة الالكترونية في المرتبة الثانية بـ 84 صفقة يليه قطاع التوصيل والنقل بـ 65.
اما من حيث التمويل فجاء قطاع التكنولوجيا المالية في المرتبة الرابعة بقيم تمويلي وصلت الى 74 مليون دولار فيما جاء قطاع التوصيل والنقل بـ 346 مليون دولار في المركز الأول يليه قطاع التجارة الالكترونية بـ 232 مليون دولار ثم في المركز الثالث قطاع العقارات بـ 223 مليون دولار.
ثانياً: محركات نمو قطاع التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا
يرصد التقرير في هذا المحور اهم محركات النمو لقطاع التكنولوجيا المالية والتي يحددها بالآتي:
- التركيبة السكانية للمستهلكين: وصلت اعداد السكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لأكثر من 300 مليون حسب اخر الإحصاءات مما يجعل المنطقة سوقا ضخمة ومقصدا للشركات الناشئة لاسيما مع ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في دول الخليج العربي والتي يصل فيها نصيب الفرد بالمتوسط الى 29.1 ألف دولار سنويا، وهو من بين الأعلى في العالم، بالإضافة الى تميز المنطقة بارتفاع نسبة الشباب في المجتمع إذ لا يتجاوز متوسط الاعمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا الـ 29 سنة.
- انتشار الانترنت وخدمات الدفع الالكتروني: يبلغ معدل انتشار الانترنت حوالي 52% في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وهي نسبة تفوق المعدل العالمي بحوالي الـ 10%، وفي دول مجلس التعاون الخليجي تصل النسبة الى 94% وهي من بين اعلى النسب لانتشار الانترنت في العالم، كما تصل نسبة انتشار حلول الدفع الالكترونية في دول مجلس التعاون الخليجي الى 76%.
- توجه المستهلكين نحو التكنولوجيا المالية: يبدي ما نسبته 76% من الاماراتيين ثقتهم بشركة تكنولوجيا واحدة على الأقل أكثر من ثقتهم بالبنوك عندما يتعلق الامر بأموالهم فيما يبدي 83% منهم انفتاحهم على تبني حلول تكنولوجيا مالية من قبل مؤسسات غير مالية، وهي نسب تتفوق على العديد من بلدان العالم الأكثر تقدماً في مجال التكنولوجيا المالية والنظم المصرفي.
- بيئات اختبار تنظيمية: أطلقت 8 حكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا (دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة الى كل من الأردن ومصر) 9 بيئات اختبار تنظيمية لتطوير واعتماد حلول التكنولوجيا المالية حيث باتت التكنولوجيا المالية واحدة من الأولويات الرئيسية للعديد من الحكومات في المنطقة وذلك لغرض تعزيز تبني التكنولوجيا المالية والابتكار وتحفيز الاستثمارات الأجنبية.
- صناديق ومسرعات التكنولوجيا المالية: أطلقت الحكومات في كل من الإمارات البحرين والسعودية ومصر صناديق تمويلية امام الشركات التكنولوجيا المالية الناشئة يصل راس مالها التراكمي الى 1.4 مليار دولار امريكي، كم تم انشاء 4 مسرعات وحاضنات حكومية لمشاريع التكنولوجيا المالية.
- توفر رأس المال الخاص: شهدت اعداد المستثمرين في الشركات الناشئة نموا مطردا في السنوات الأخيرة إذ وصلت نسبة النمو ما بين عامي 2015 و2019 حتى تاريخه الى أكثر من 130% حيث بلغت اعداد المستثمرين الـ 163 مستثمرا في عام 2019 فيما تشكل نسبة المستثمرين في قطاع التكنولوجيا المالية اكثر من 22%، وتشكل نسبة المستثمرين المحليين الى اجمالي المستثمرين حوالي 86%.
ثالثاً: توزع مشاريع التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا
يعتبر قطاع الدفع عبر الإنترنت والتحويلات أكبر قطاع فرعي في صناعة التكنولوجيا المالية من ناحية عدد الصفقات. وخلال عام 2019 وحتى تاريخه، كان 45% من إجمالي الصفقات هي صفقات في شركات ناشئة تعمل في خدمات الدفع والتحويلات في ظل تزايد اهتمام المستثمرين في هذا القطاع. ومع ذلك، استحوذت قطاعات إدارة الثروات وأسواق رأس المال والتمويل الشخصي على نسبة لا بأس بها من الصفقات حيث وصلت النسبة لقطاع إدارة الثروات الى 16% وفي قطاع أسواق راس المال الى 10%، في حين استُثمِرَت مبالغ كبير في قطاع تكنولوجيا التأمين، لا سيما خدمات مقارنة منتجات وعروض التأمين.
ومن بين القطاعات الفرعية كذلك قطاع تكنولوجيا البلوكتشين الذي بات أولوية رئيسية للحكومات، ولكن لم يستحوذ هذا القطاع على قدر كبير من الاستثما حيث لم يتعد حجم الاستثمار فيه الـ 8% الى اجمالي الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا المالية.
نما عدد شركات التكنولوجيا المالية الناشئة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل سريع خلال السنوات الماضية، حيث ازداد عددها بوتيرة أسرع من غيرها من القطاعات. ومنذ عام 2012، شهد عدد شركات التكنولوجيا المالية الناشئة معدل نمو سنوي مركب بلغ 39%، حيث يوجد الآن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما مجموعه 310 شركة ناشئة نشطة في هذا المجال.
وفي هذا الصدد، تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة هي أكبر نقطة جذب لشركات التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تستحوذ على 46% من إجمالي الشركات الناشئة في هذا القطاع، وكذلك على ما نسبته 47% من إجمالي الصفقات، و69% من إجمالي التمويل خلال عام 2019 وحتى تاريخه. كما يلحظ بروز متصاعد لمشاريع التكنولوجيا المالية في بلدان مثل البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية، مع إطلاق العديد من المبادرات الخاصة والحكومية لتعزيز هذا القطاع.