لم تعد مسألة الانعكاس الشامل للتحول الرقمي على عالم الاعمال محطة للجدال، بل أصبحت أمر بديهياً بالنسبة للمشتغلين في السوق، فالتحول الرقمي يمكن ان يعكس جميع العلميات التي تستخدم التكنولوجيا الرقمية للاستجابات للمتغيرات في عالم الاعمال ومتطلبات السوق، وعليه فإنه يمكن الانطلاق طرح الأسئلة الآتية: ما هو بالتحديد الدافع الأساسي للشركات للتحول الرقمي؟ كيف يقوم رؤوس قسم المعلومات بقيادة الشركات لمبادرات التحول الرقمي على نطاق واسع؟ وماذا يمكن ان تعلمنا اتجاهات التحول الرقمي حول الكيفية التي يسير بها العالم بخطى متسارعة؟ يحاول التقرير الصادر عن "MuleSoft" الاجابة عن هذه الأسئلة عبر تحليله للاتجاهات السبعة للتحول الرقمي الذي سوف تشكل عام 2020 كما جاء في عنوان التقرير الذي سوف نعرض فيما يأتي اهم ما جاء فيه.
أولاً: تجربة المستهلك
باتت الشركات اليوم بحاجة الى حل مشكلات وتعقيدات تكنولوجيا المعلومات بهدف فتح الطريق لإيصال التجارب المخصصة لعملائهم الى الشركاء ومن الشركاء الى الموظفين ومنهم الى المطورين. أي وضع سلسلة مترابطة تبدأ بتجربة العملاء للخدمة/ المنتج المقدم من قبل الشركة لتمر عبر طرف ثالث، والمقصود به الشركات المختصة التي تقوم بجمع وتحليل بيانات تجربة العملاء، وتعيد تقديمها الى موظفي الشركة لتنتهي بمطوري الخدمة، وبهذه العملية فقط تستطيع الشركات الاستفادة من الخبرة التي تكتسبها بعد تعاملها لفترة ما مع الزبائن.
يرى التقرير ان "تجربة العملاء" تشكل جوهر عملية التحول الرقمي وليس من المستغرب ان يصل معدو التقرير الى هذه النتيجة فاستنادا الى البيانات التي يعرضها التقرير فإن 76% من المستخدمين يعتقدون بانه ينبغي على الشركات ان تفهم توقعاتهم واحتياجاتهم و75% منهم يفضلون التعامل مع شركات تعرف أسمائهم وتاريخ مشترياتهم وتقترح عليهم منتجات بناءً على تفضيلاتهم كما اشار 69% من المستهلكين بانهم سوف يضعون في الاعتبار تغيير مزودي الخدمات الذين لا يوفرون التجربة المستهلك، أي ان الشركات التي لا تعتمد على تجربة العملاء في عملها مهددة في المستقبل بخسارة حوالي الثلثين من حصتها السوقية لصالح شركات أخرى توفر خدمة تجربة العملاء، كما ان تطوير خدمة تجربة العملاء لتكون اكثر فعالية يشكل امر حاسماً بالنسبة للعملاء، إذ يعتقد 81% بان الشركات لا تقدم خدمة تجربة العملاء.
كما ابد 65% من المستهلكين رغبتهم باستخدام وسائل تواصل مع شركة غير تقليدية كخدمات المراسلة عبر "واتس آب" و"فيس بوك مسنجر" للتفاعل مع منظماتهم.
الملفت أيضا، بما يتعلق باستطلاع اراء المستهلكين حول تجربة العملاء، هو ميل جيل الألفية الى مشاركة بياناتهم الخاصة مقابل الحصول على خدمات تلاقي تفضيلاتهم الشخصية، حيث ابدا 61% من المستخدمين في الفئة العمرية ما بين (18-34) سنة رغبتهم في مشاركة بيانات عمليات الشراء مع طرف ثالث مقابل حصولهم على خدمات تلاقي تفضيلاتهم الشخصية.
كما ابدا 79% من جيل الألفية استعدادا أكثر للشراء من علامات تجارية تمكنهم من الحصول على خدمات عبر تطبيقات الهواتف المحمولة.
اما على صعيد عمل الشركات، فتشير البيانات بان 71% من صانعي القرارات في تكنولوجيا المعلومات يعتبرون نقل تجربة العملاء من أهم أهدافهم، كما أعرب 93% من قادة الاعمال بان نقل التجربة الموثوقة للعملاء سوف تكون امراً حاسماً لأداء أعمالهم في السنتين القادمتان من الان.
يقدم التقرير عدد من الأمثلة تجربة العملاء التي تم تطبيقها على ارض الواقع في قطاعات مختلفة، منها ما قدمته شركة Walmart التي حازت مؤخرًا على براءة اختراع لتقنية التسوق الافتراضي عبر استخدام سماعات وقفازات محملة بأجهزة الاستشعار للتفاعل مع متجر Walmart، وخدمة ""Online Store Stock التي قدمتها شركة GANT والتي تمنح العميل القدرة على البحث عن المنتجات المتوفرة في المتاجر القريبة منه.
يلتقي هذا النوع من التجارب مع رغبات العملاء في قطاع التجارة التجزئة إذ قال 60٪ من المستهلكين بأنهم يفضلون التسوق من خلال امتلاك "أمازون جو" ، حيث يمكن للمستهلكين شراء البضائع في المتجر دون الحاجة الى الخروج والتعامل مع أمناء الصندوق.
بطبيعة الاحول لا تنحصر رغبات المستخدمين في عملية التحول الرقمي وتجربة العملاء في القطاع الخاصة بل تمتد الى الاعمال الحكومية بل تعد الرقمنة، كما أشار التقرير" مفتاح مشاركة المستخدمين مع الخدمات الحكومية" حيث أبد 51% من المستخدمين رغبتهم بزيادة استخدام االخدمات الحكومية إذ استطاعوا الوصول إليها عبر بوابة إلكترونية.
و49% منهم يريدون أن يكونوا قادرين على ذلك تسديد المدفوعات للحكومة والوكالات التابعة لها عبر الإنترنت.
ثانياً: الأعمال القائمة على البيانات
يعد فتح وتحليل البيانات جوهر العمل بحسب معدي التقرير إذ بلغ 83% من صناع القرار في قسم تكنولوجيا المعلومات ان البيانات المجمعة تعتبر تحدياً لأعمال شركاتهم، كما قال 55% منهم بان شركاتهم تخطط للاستثمار في البيانات الضخمة/التحليل البيانات.
تهدف الشركات من خلال الاستثمارات في البيانات الضخمة وتحليل البيانات الى تحقيق ثلاثة غايات وهي: تحسين خدمة العملاء، تبسيط العمليات، تسريع عملية الابتكار.
فمن خلال استخدام البيانات وتحليلها اطلقت "لين كروفورد" تطبيق الهواتف الذكية لزيادة تفاعل العملاء، حيث يسمح هذا التطبيق للمستخدمين الجدد بالتسوق الفوري، وعرض معلومات المنتج وتحديث معلومات الحساب، وتلقي إشعارات حالة الطلب أثناء التنقل.
ثالثاً: الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي
تعمل المنظمات بشكل متزايد على الاستثمارات في قدرات الذكاء الاصطناعي لتسريع وتخصيص خدمة العملاء، تقليل التحيز البشرية، وزيادة الإنتاجية. فقد أثبتت الذكاء الاصطناعي بانه أداة قوية لتخصيص تجربة العملاء ، والحد من التحيز البشري ، وأتمتة المهام، فمن جهة إضفاء الطابع الشخصي على تجربة العملاء فيعتبر التحول الأكبر والاهم في مستقبل خدمة العملاء هو استخدام التنبؤات المتطورة التي تدفعها القرارات المتخذة من خلال تجربة العملاء.
ولجهة الحد من التحيزات البشرية فستسمح تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وكذلك المعالجة اللغوية، للشركات بتحديد الأنماط، والاتجاهات والتحيزات قبل أن تصبح مشكلة.
تشير البيانات الواردة في التقرير على تعويل الشركات على الذكاء الاصطناعي المعزز في تحسين الإنتاجية إذ تظهر الاستطلاع عن نية الشركات بأتمتمة 40% من المهام العملية.
كما ان 25% من عمليات خدمة الاستجابة للعملاء سوف تستخدم وكيل افتراضي مساعد في عام 2020.
يظهر التقديم في مجال الاستثمار في الذكاء الاصطناعي للشركات عبر إجاباتهم عن السؤال الذي طرحه عليهم معدو التقرير حول أنواع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الي تم نشرها في مؤسساتهم؟ فجاءت كالآتي: 39% من قالوا بان شركاتهم تستخدم تقنية الوكيل الافتراضي/ Chatbots (روبوتات الدردشة) فيما أجاب 53% بأتمتة المهام الأساسية، و56% البريد الإلكتروني.
تعد تجربة تطبيق WienBot الذي أطلقته مدينة فيينا من ابرز تطبيقات "روبوتات الدردشة" الرائدة في مجال الخدمات العامة لمساعدة المواطنين في العثور على مواقف للسيارات والاستراحات والمعلومات أخرى كما يجيب على مجموعة من الأسئلة وهو قابل للتطوير الذاتي عبر التعلم المستمر من خلال تفاعله مع تجربة العملاء.
بعيدا عن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال خدمة العملاء فانه استخداماته في المجالات الطبية والزراعية والصناعي اكثر شيوعا وتقدما فالروبوتات والطائرات بدون طيار باتت تنتشر بالفعل في الزراعة لتقييم الجفاف والوباء، وكذلك المساعدة في شحنات الطوارئ والإنقاذ والحوادث وتقييم أضرار الكوارث والنفط والغاز والتنقيب عن الطاقة، وغيرها الكثير من الاستخدامات العملية التي تحقق كفاءة عالية وتخفض من مخاطر الإصابات بين العاملين.
اما في المجال الطبي فقد أصبحت الروبوتات الجراحية تتواجد في غرف العمليات كـ "مساعدين" للأطباء ويأتي هذا الانتشار بعد التوسع الكبير في عملية الإنتاج لهذا النوع من الروبوتات وانتشار استخدامها في المستشفيات الامر الذي أدى الى تحسن تقنيتها وانخفاض تكلفتها.
اتخاذ القرار عبر تحليل الخوارزميات يعد أيضا من المجالات الرائدة في استخدام الذكاء الاصطناعي وتعتبر مؤسسة" "ZestFinance للائتمان من المؤسسات الرائد في هذا المجال والتي تستخدم الذكاء الاصطناعي في حلول نمذجة ومحاكات المخاطر للآلاف من المتغيرات للحصول على رؤية اعمق للتخفيف من مخاطر الائتمان ومعرفة المقترضين ذوي الجدارة الائتمانية.
رابعاً: الحوسبة السحابية المتعددة
تعتمد معظم الشركات الكبيرة (أكثر من ألف موظف) على نظم الحوسبة السحابية في عمليات التخزين، حيث يعتمد 84% منهم على الحوسبة السحابية المتعددة، و10% منهم على الحوسبة السحابية الأحادية العامة، و3% منهم فقط على الحوسبة السحابية الأحادية الخاصة، فيما 3% فقط لا يخططون للعمل وفقط نظم الحوسبة السحابية، كما أشار 58% ممن يستخدمون الحوسبة السحابية المتعددة ان يعتمدون على نظام سحابي هجين، و17% على نظام سحابي متعدد عام عام، و9% على نظام سحابي متعدد خاص، وهنا يثار سؤال عن الاختلاف في تفضيلات الأنظمة سحابية المستخدمة من قبل الشركات، وهو ما طرحه التقرير بالفعل، وكانت الإجابات تتركز حول الملائمة لنظام عمل الشركة، خاصة فيما يتعلق بالأنظمة السحابية المتعددة، فحسب المستجيبين لا يمكن لنظام سحابي واحد ان يلاقي جميع احتياجات الشركة.
على الرغم من الفوائد الجمة التي تحصدها الشركات من خلال اعتماد الحوسبة السحابية، لكنها تواجه مجموعة من التحديات الكبيرة لاسيما عندما يكون الحديث عن نظم الحوسبة السحابية المتعددة. يرصد التقرير اهم هذه التحديات التي عبرت عنها الشركات، والتي جاء في مقدمتها التعقيد بنسبة 79% و55% ترحيل التطبيقات، و42% في إدارة التكاليف، فيما قال18% منهم بانهم لا يواجهن أي تحديات في استخدام الحوسبة السحابية المتعددة.
خامساً: الشراكة مع تكنولوجيا المعلومات تعزز الأعمال
تضع المنظمات تكنولوجيا المعلومات كعامل تمكين أساسي للأعمال، لذلك فإن كفاءة تكنولوجيا المعلومات أمر حاسم لنجاح مبادرات التحول الرقمي.
تتركز الأهداف الرئيسية لمبادرات التحول الرقمي في المؤسسات حول الأمان وتحليل البيانات وانترنت الأشياء والحوسبة السحابية المتعددة والذكاء الاصطناعي كما جاء في بيانات استطلاع الرأي التي يعرضها التقرير.
سادساً: المشاركة في خلق القيمة مع أصحاب المصلحة الخارجيين
عندما تهبط الأسواق بسبب تقنيات جديدة او دخول منافسين جدد، غالبا ما تكون الشركات القديمة غير مستعدة لتطوير منتجات وخدمات جديدة، لذلك تلجأ إلى عقد شراكات مع أصحاب المصلحة الخارجيين، فبفضل هذه الشركات تخلق الشركات شبكة بيئية تعاونية مع أصحاب المصلحة الخارجيين.
لا يعود النفعة من هذه الشراكة للشركات لجهة قدرتهم لمواكبات تطورات السوق واطلاق وتطوير منتجات جديدة فقط بل تعود بالنفع أيضا على المستخدمين الذين يتمكنون من الحصول على عدد متنوع من الخدمات ومن شركات مختلفة عبر تطبيقات الهواتف الذكية او المنصات على شبكة الانترنت.
ومثال ذلك تحاول شركة Uber استثمره باستمرار عبر اطلاق خدمات جديدة عبر التطبيق المستخدم في خدمات التوصيل الخاص بها، كخدمة توصيل الطعام " Uber Eats" و"Uber "pass المخصص لعملاء أمازون فقط، أكبر موقع إلكتروني للتسوق، والذي يحقق الفائدة لكلا الشركتان عبر جمع المزيد من المعلومات حول تجربة العملاء، وتحقيق إيرادات اكبر من خلال حصر الخدمة بمستخدمي امازون.
سابعاً: تعزيز أداء الاعمال باستخدامات واجهات التطبيقات البرمجية
يعزز استخدام واجهات التطبيقات من أداء الاعمال عبر زيادة الإنتاجية ونمو الإيرادات وإتاحة مساحة أكبر للابتكار، وباللغة الأرقام تظهر الاستفادة من استخدام واجهات التطبيقات، وطبقاً للبيانات التي ابلغ عنها المستجيبون للاستطلاع الذي يستخدمون واجهات التطبيقات البرمجية، ما يلي، 53% من المستجيبين قالوا بان الإنتاجية قد زادت بنسبة 53%، 46% زيادة في الابتكار، 40% زيادة في مشاركة الموظفين وتعاونهم، 33% مرونة أكبر لفرق خدمات تكنولوجيا المعلومات، 30% انخفاض في التكاليف التشغيلية، 29% نمو في الإيرادات.
في الختام يمكن الخروج من العرض الموجز لهذا التقرير الهام بنتيجتان أولاً: ان التحول الرقمي في أعمال الشركات ليس مجرد سباق تتنافس من خلاله الشركات على مواكبة موجة عابرة لاستخدام الابتكارات الحديثة في الأعمال، بل ان التحول الرقمي يعمل على رفع كفاءة الاعمال وزيادة الإنتاجية والنمو في الإيرادات وخفض التكاليف، والمنافس مع شركات اعتمدت التحول الرقمي كتوجه عام في اعمالها هي خاسرة بالضرورة، فلا يمكن الصمود امام منافسين استطاعوا التخفيض من تكاليفهم وزيادة إنتاجية أعمالهم ورفع كفاءته، وهو بطبيعة الأحوال هدف أساسي لكل شركة تعمل على زيادة حصتها السوقية. ثانياً: ان التفضيلات الاستهلاكية للعملاء لم تعد قاصرة على تقديم الخدمة/المنتج بأسلوب مبسط وسهل ويعتمد على التكنولوجيا الحديثة، بل اصبح العملاء يطمحون للحصول على تجارب تلاقي تفضيلاتهم الشخصية.