فيس بوك، علي بابا، أوبر وغيرها الكثير من الشركات الريادية الناجحة، التي بدأت بفكرة، لتتحول فيما بعد لشركات هي الأكبر من نوعها في عالمنا اليوم. عادةً ما توصف تلك الشركات الريادية التي حققت نجاحات على نطاق واسع، بأنها ثمرة أفكار مبتكرة وخلاقة ولم يسبق لأحد على الإطلاق أن قام بعمل مشابه لها، لكن هل حقاً هي كذلك؟
في الحقيقة إذا قمت بالبحث عن تاريخ تأسيس معظم الشركات الريادية الناجحة ستجد أن الكثير من مؤسسيها لاحقتهم دعاوى قضائية بتهم "سرقة فكرة المشروع" أو أن شركات أخرى كانت بالفعل تقوم بنشاط مشابه، وفي بعض الأحيان يكاد يكون مطابق للنشاط الذي تقوم به الشركة. ففيس بوك مثلاً لم يكن أول وسيلة تواصل اجتماعي في العالم بل أن أول منصة التواصل الاجتماعي كانت منصة six degree الأمريكية والتي بدأت نشاطها في عام 1997، أي قبل خمسة سنوات من انطلاق فيس بوك (2003) ليس هذا فقط بل أن فكرة منصة six degree لم تكن في الحقيقة تختلف كثيراً عن الفكرة التي انطلقت منها فيس بوك، فهي كانت تعتمد على مستخدمين يقومون برفع ملفاتهم التعريفية على المنصة التي تمكنهم من التواصل مع المستخدمين الآخرين المشتركين في المنصة التي وصل عدد مستخدميها في الولايات المتحدة لأكثر من ثلاثة مليون ونصف مستخدم وذلك في عام 1999، وهو العام الذي بيعت فيه الشركة بقيمة 125 مليون دولار أمريكي، لكن الشركة لم تستمر طويلاً حيث أعلنت عن توقف خدماتها في عام 2001، أي قبل عامين من انطلاق منصة فيس بوك التي حققت نمواً مطرداً في السنوات اللاحقة لينتقل نشاطها منذ العام 2008 إلى معظم دول العالم ولتصبح خلال أقل من عقد منصة التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية في العالم بعدد مستخدمين يفوق ال2 مليار و700 ألف مستخدماً حسب أخر الإحصاءات وبقيمة سوقية وصلت بحلول عام 2020 لأكثر من نصف مليار دولار أميركي.
لا تعتبر حالة فيس بوك مجرد استثناء عن باقي الشركات الريادية الأكثر نجاحاً، فشركة أوبر أيضا والتي تعتبر أكبر شركة لخدمة سيارات الأجرة في العالم، لم يكن مؤسسها " ترافيس كالانيك" أول من فكر باستخدام السيارات الخاصة كبديل عن خدمات سيارات الأجرة العمومية، بل كان قد سبقه إلى ذلك شركة SideCar بسنة على أقل تقدير، فشركة أوبر قامت على فكرة الحصول على تجربة ركوب سيارة لموزين يقودها سائق خاص، وهي خدمة كانت تقدمها شركات خاصة بتأجير سائقي سيارات الليموزين، وما قدمتها شركة أوبر هو تفعيل هذه الخدمة عبر تطبيق على الهواتف الذكية الأمر الذي جعل من استخدام الخدمة أكثر سهولة بالإضافة إلى انخفاض تكلفتها مقارنةً بشركات تأجير سيارات الليموزين التقليدية، وفي الوقت الذي كانت فيه شركة أوبر مشغولة بتوسيع نشاطها في الولايات المتحدة الأمريكية، كانت شركة SideCar تقدم تطبيق مخصص لأي شخص يريد أن يقوم باستخدام سيارته الخاصة كسيارة أجرة، أي أن الهدف الأساسي من الخدمة هو الحصول على خدمة توصيل بطريقة أكثر سرعة وسهولة من استخدام سيارات الأجرة العمومية، ما حدث لاحقاً أن صاحب شركة أوبر " ترافيس كالانيك" أعجب بفكرة SideCar واعتقد بأنها فكرة سوف تحقق نجاحاً كبيراً فيما لو استثمر فيها، وهو ما حدث فعلاً حيث اكتسحت خدمة أوبر الجديدة سوق خدمات سيارات الأجرة وتوسعت أعمالها خارج الولايات المتحدة لتشمل كندا وأوروبا وأستراليا وفي الأعوام القليلة الماضية امتدت لتشمل دول الخليج العربي ومصر والعديد من الدول الأخرى حول العالم، بالمقابل فإن شركة SideCar قد توقفت عن تقديم خدماتها في عام 2015 بعد أن أنهكتها المنافسة مع شركة أوبر.
وهنا يطرح سؤال لماذا تنجح شركات وتفشل أخرى، حتى لو كانت الشركات الناجحة ليست صاحبة الفكرة الأساسية؟ في الحقيقية تتعدد الإجابات بحسب كل حالة، ففي حالة شركة أوبر خلص مسح رسمي قامت به حكومة ولاية "ماهاراشترا" الهندية بأن 80% من المستخدمين الذين يفضلون أوبر عن باقي شركات خدمات سيارات الأجرة يرجعون السبب لسهولة عملية الحجز على تطبيق أوبر مقارنةً بباقي خدمات سيارات الأجرة الأخرى، أما في حالة فيس بوك فالأمر يبدو أكثر تعقيداً، لكن العديد من المختصين يرجحون السبب في قدرة منصة فيس بوك على جمع العديد من الخيارات والميزات والخدمات في منصة واحدة وذلك بخلاف باقي منصات التواصل الاجتماعي.
غالباً ما تتركز الأسباب في فشل الشركات الأولى صاحبة الفكرة في أمرين: أولاً عدم نضج الفكرة لعدم فهم متطلبات السوق الفعلية، والتسرع في تقديم الخدمة أو المنتج، الأمر الذي يجعل من أي رائد أعمال أخرى أن يقتنص الفرصة لتقديم نفس الخدمة أو المنتج لكن بصورة أفضل تلائم السوق ومتطلبات المستخدمين، أما السبب الثاني فيتعلق بعدم وجود استراتيجية ناجحة لمواجهة المنافسين والتطوير المستمر في الخدمة أو المنتج، وتعتبر كل من شركة يا "Yahoo" التي انتهت لصالح شركة جوجل، ونوكيا التي تقلصت حصتها السوقية لصالح شركات أخرى كسامسونغ وآبل وغيرها، نموذجاً عن الفشل في وضع استراتيجية ناجحة لتطوير المنتج والمحافظة على الحصة السوقية وتوسيعها.
في الختام لا يهم إذا كنت أول من نفذ الفكرة بل المهم أن تكون الأفضل فيها، فالقول بأنك أول من فعل شيئاً ما هو إلا مضيعة للوقت. إذا قمت بذلك بشكل صحيح، فسيعلم الناس أنك كنت أول من قدمها لهم.